عدد الرسائل : 121 العمر : 31 تاريخ التسجيل : 10/02/2008
موضوع: فلسطيـن: تاريخ يئن.. وجغرافيا تحتضر..!! السبت فبراير 23, 2008 6:21 pm
إن من أخطر المسائل وأكثرها إلحاحا على الخاطر مسألة الجهل التي يعاني منها أبناء هذا الجيل بتاريخ فلسطين وجغرافيتها، وأكثر ما يؤلم في الموضوع أن المناهج التعليمية في معظم الدول العربية تدرّس مادتي التاريخ والجغرافيا الخاصتين بكثير من دول العالم ؛ بيد أنها لا تدرس تاريخ فلسطين القديم ، وإذا درست تاريخها الحديث ؛ فإنها تعرضه بطريقة محزنة تتعلق بالقضايا ذات الصلة بدورها في دعم القضية الفلسطينية ، بل إن كثيرا من الدول العربية حذفت من مناهجها كل ما يمت لفلسطين بصلة ؛ بذريعة السلام والضغوط الأمريكية ، مع أن الحد الأدنى لمطالب تجار الأرض والمقدسات لم تتحقــق بعد ، ناهيك عن مطالب الشرفاء من أبناء هذه الأمة .. في اللحظة التي نجد فيها المناهج في الكيان الصهيوني تلح على تزوير التاريخ والجغرافيا ، وتقر في روع الطلبة اليهود بأن فلسطين ما هي إلا ” إسرائيل ” عبر استعراضات تاريخية زائفة لا تستند إلى الواقع والحقيقة في شيء ..
إن نسبة ضئيلة جدا من مثقفينا يستطيعون التعرض لتاريخ فلسطين القديم باقتدار .. ولو طلبت من ألف طالب جامعي في أية جامعة عربية أن يثبتوا حقنا التاريخي في فلسطين لوجدت من بينهم واحدا أو اثنين ، أو لعلك لا تجد من يستطيع ذلك ، بينما تجد في المدارس اليهودية ـ وخصوصا الدينية منها ـ ما يحيلك إلى البكاء .. إنهم يحفظون التزوير عن ظهر قلب ، ونحن لا نعرف من الحقائق إلا ما جادت به قراءاتنا واهتماماتنا المتواضعة .. ونحن كما قال عنا موسى ديان ـ يوما ما ـ : شعب لا يقرأ !!
يجب أن نعلم أبناءنا في البيوت والجمعيات ومقار الأحزاب ما تعامت عنه الدول ، يجب أن نعلمهم تاريخ فلسطين القديم والحديث وأن نضع بين أيديهم الكتب والمطبوعات وأن نغذيهم بالوعي والإيمان والثقافة ؛ لأنها أسلحتنا الماضية في وجه المحاولات القذرة لطمس هوية هذا الشعب وبلع أرضه ومقدساته .
على المؤرخين العرب تقع مسؤولية تصحيح الأخطاء المتعلقة بتاريخ فلسـطين ، وعليهم تقع مسؤولية كشف التزوير والتلاعب اللذين تبنتهما الصهيونية منهجا في التعامل مع المسألة التاريخية ؛ فالتاريخ يثبت بما لا مجال فيه للشك أن فلسطين كانت وما زالت عربية ، وقد عزز الإسلام عروبتها وأكد على هويتها العربية الأصيلة . فعلى الرغم من المحاولات الخبيثة والجاهدة التي تقوم بها آلة التزوير الصهيونية في سبيل طمس الحقائق التاريخية الثابتة ، إلا أن منطقهم التاريخي وهروبهم من بعض وقائع التاريخ ، واختيارهم ما يناسبهم من بعضها ، وتشويههم لبعضها الآخر ، وعبثهم فيه بات أمرا مكشوفا حتى لبعض من كان يفترض أن يكونوا حلفاء لهم في دعم عمليـــات التزوير هذه ومساندتها ؛ ذلك أن ثمة جبهة مناوئة من اليهود والأمريكان القدامى والجدد يقفون في وجه المؤرخين المزيفين للتاريخ من اليهود ، ومن أهم هؤلاء ” كيث وايتلام ” اليهودي الأمريكي ، صاحـب كتاب ” اختلاف إسرائيل القديمة ” الذي يعد وثيقة مهمة في إدانة التلفيق التاريخي اليهودي حول فلسطين ، وحق اليهود التاريخي والديني فيها ، مع بداية ظهور جيل جديد من المؤرخين الذين يلتزمون الموضوعية التاريخية ، ويسعون للخروج على دائرة المؤرخين الصهاينة الذين وجهوا الكتابة التاريخية المعاصرة المتعلقة بفلسطين لخدمة أهداف الصهيونية القائمة على الكذب والتشويه والتزوير ؛ الأمر الذي أدى إلى حدوث أكبر عملية تزييف للتاريخ في العصر الحديث ، حيث تمكن هؤلاء المؤرخون من اختراع ” إسرائيل ” قديمة لا وجود لها في الحقيقة ، كما يعرف كل المنصفين في العالم .. ويعد المؤرخ اليهودي الأمريكي ” كيث وايتلام من أهم الذين فضحوا ألاعيب اليهود في هذا الشأن .. بعد أن كذب الصهاينة الكذبة وصدقوها .. !!
إن أهمية كتاب ” اختلاف إسرائيل القديمة ” تكمن في كونه اعترافا غربيا بقيام فريق من المؤرخين الصهاينة بعملية تزييف ضخمة لأحداث التاريخ القديم في المنطقة نتج عنها خلق فكرة إسرائيل القديمة على حساب التاريخ العربي الفلسطيني القديم ، ، ذلك أن مؤلف الكتاب تمكن من الخروج من دائرة التأثير الصهيوني والهروب من خطاب الدراسات الدينية التوراتية التي فرضت نفسها على الخطاب التاريخي ووجهته لخدمة الأهداف والمصالح الصهيونية ، وأبعدت دراسة تاريخ فلسطين عن دائرة الكتابة التاريخية الموضوعية ، واعتبرت تاريخ فلسطين تابعا للدراسات الدينية التي تسيطر عليها التوراة والجغرافيا التاريخية للتوراة والمفاهيم التوراتية الخاصة بالعهد والاختيار والخلاص والحدود ومفهوم أرض ” إسرائيل ” والحدود التوراتية لهذه الأرض : ” من النيل إلى الفرات ” !!
هذا بالإضافة إلى غياب الرؤية العربية لتاريخ الشرق الأدنى القديم وحضارته ، وترْك الباب مفتوحا على مصراعيه للمؤرخين والباحثين وعلماء الحضارة الغربيين لكي يسيطروا سيطرة تامة على الكتابة التاريخية الخاصة بالشرق القديم وحضارته ، مع الأخذ بعين الاعتبار ارتباط هؤلاء المؤرخين بنظريتين معروفتين في تفسير التاريخ المتعلق بالشرق الأدنى ، أولاهما : النظرية الاستعمارية ، وثانيهما النظرية الصهيونية، أما الأولى : الاستعمارية ؛ فقد درست تاريخ الشرق القديم في ضوء الفكر الاستعماري الحديث والسيطرة الغربية على مقدرات شعوب المنطقة ، وفسرت تاريخ المنطقة بما يخدم أهداف الغرب الاستعمارية ، و لعل من أهم جزئيات التفسير التاريخي المرتبط بالنظرية الاستعمارية محاولة عزل تاريخ العرب عن تاريخ بقية شعوب الشرق الأدنى القديم ، وذلك لفصل هذه الشعوب عن جذورها في شبه الجزيرة العربية والعمل على تحقير الشأن التاريخي والحضاري للعرب .. أما النظرية الصهيونية ، فقد طورها المؤرخون اليهود أصحاب الميول الصهيونية ومن والاهم من المؤرخين غير اليهود ، الذين عملوا جميعا على إعادة كتابة تاريخ الشرق الأدنى القديم من وجهة نظر يهودية صهيونية بهدف تأصيل الوجود اليهودي في فلسطين قديما ، والإشارة إلى استمرارية التاريخ اليهودي في المنطقة وربط ” كيانهم المسخ ” القائم حاليا بما يسمى زورًا بـ ” إسرائيل ” القديمة ، وعدم الاعتراف بالعصور التاريخية التي مرت بها فلسطين واعتبار تاريخها تاريخا يهوديا خالصا .. وإن من أهم افتراءات هذه المدرسة التاريخية اليهودية الصهيونية إنكار العصرين الإسلامي والمسيحي في تاريخ فلسطين ، واعتبار هذين العصرين من عصور الاحتلال لفلسطين ، بما يعني أنه كان ثمة احتلال مسيحي وآخر إسلامي لفلسطين استمر حتى قيام ما يسمى زورًا بـ ” إسرائيل ” الحالية عام 1948 .
لقد بذل اليهود وأعوانهم في الغرب وما زالوا يبذلون جهودا جبارة في سبيل إلغاء كل ما يمت لفلسطين والفلسطينيين بصلة ، وها هم يصدرون الكتب والموسوعات ودوائر المعارف والأطالس التي تخلو من كلمة فلسطين . ومما يؤسف له أن بعض المدارس في بعض الدول العربية تستخدم مدارسها أطالس استغنت عن كلمة فلسطين عند الإشارة إلى خريطتها ومهرتها باسم جديد ” إسرائيل ” ، وقد أنهيت خدمات أحد المعلمين في إحدى المدارس الخاصة المشبوهة في دولة خليجية ، بعد أن قام بجمع الأطالس الموجودة مع الطلبة ، وطمس كلمة ” إسرائيل ” مستبدلا بها كلمة فلسطين .. !!
وأبعد من هذا فإن بعض محطات التلفزة العربية وهي تنقل الصور التي تصلها من وكالات الأنباء على شاشاتها تترك كلمة ” إسرائيل ” متربعة على خريطة فلسطين ، ولا أظن إلا أن ذلك مقصود بعد أن اعترفت معظم الدول العربية بما يسمى زورا وبهتانا ” دولة إسرائيل ” ، على الرغم من أن اليهود لم يتصدقوا بعد على الفلسطينيين إلا بالنزر اليسير من حقهم الكامل في بلادهم .. لقد وصلت السيطرة الصهيونية والغربية المدروسة إلى عقر بيوتنا ، وصرنا نعدها أمورا عادية من خلال الفضائيات والإنترنت والصحف والمجلات وغيرها من وسائل الاتصال !!
وفي اللحظة التي نجد فيها مؤرخي الحركة الصهيوينة يجهدون في تزوير الحقائق التاريخية وقلب الموازين ، وإنكار المعلوم من التاريخ والجغرافيا بالضرورة ، وكأنه مجهول بالضرورة ، ودون احترام لطرائق البحث العلمي ، نجد على الجانب الآخر جمودا وانتظارا واتكالية تبعث على قشعريرة الضلوع لدى مثقفينا وخصوصا العاملين في حقلي التاريخ والجغرافيا ، وتكمن المشكلة في أن جميع العاملين في حقل التاريخ مبدعون في توجيه النقد لغيرهم ، وكأن الأمر لا يعنيهم ..
لماذا لا يقوم هؤلاء المنتقدون بمهمة الهجوم المضاد فيخرجون بنظرية جديدة تفسر التاريخ تفسيرا موضوعيا من خلال مؤسسات ومراكز بحث قوية يكون بمكنتها إيصال صوتها إلى حيث يوصله أدعياء العلم وأصحاب نظريات التفسير الفاسدة للتاريخ ؟!
إننا مهرة في النقد والتشخيص وعرض المشكلات ، بيد أننا عاجزون في وضع الحلول وتطبيقها .. هل نـحن بكل ما أوتينا من طاقة كلامية وطاقات بشرية وموارد مالية عاجزون فعلا عن القيام بالدور المنوط بنا في هذا الجانب ؟ أم أن هناك من يحول بيننا وبين القيام بهذا الدور ؟!